النص:
سمير : لقد تأخر الأستاذ فتحي.
سعاد : أنا عندما أتأخر خمس دقائق ينظر إليّ بعينين ناريتين، ويتمتم بكلمات كم أتمنى لو أفهمها.
سمير : المهم، هل ستُخبرون الأستاذ فتحي بالمسلسل.
غسان : أنت تعرف رأيه بالمسلسلات، ولا أعتقد أنه سيوافق.
سمير : ولماذا لا يوافق؟ هذه فرصة لنا جميعاً، وعندما يرانا متفقين على العمل، فلا شك أنه سيوافق ويقتنع بالأمر الواقع.. و ماذا يعطينا الأستاذ فتحي؟ ماذا يقدم لنا؟.. ثلاثة أشهر من التدريبات المستمرة، على حساب وقتنا، وعائلاتنا، ماذا تأخذون في نهاية العمل؟ مكافأة لا تشتري قميصاً.. تسعة مشاهد في التلفزيون، في يوم أو يومي تصوير، تقبض ثمنها ما يعادل راتب ثلاثة موظفين، ناهيك عن الشهرة، فأنت تمثل عشرين مسرحية ولا أحد يسمع بك، بينما تظهر على التلفزيون مرَّة واحدة، ترى السَّمان والجزار والحذاء وبائع الخضار وصبايا الحي يحيونك باحترام.
(يدخل الأستاذ فتحي وقد بدا عليه الإحراج لتأخره عن موعد البروفة- يتجه نحو مكتبه ويضع الحقيبة ويُخرج منها أوراقاً كثيرة)
الأستاذ فتحي: أنا آسف يا جماعة، فالحق ليس عليّ، بل على آلة التصوير والكهرباء. لقد وعدتكم أن أوزع عليكم المقال الذي ترجمه الدكتور سامح حول المسرح الياباني.
سمير : (يتقدم باتجاه مكتب الأستاذ فتحي ويأخذ الأوراق) ولكن.. أستاذ... هناك موضوع كنا نريد أن نتحدث.. (يقاطعه).
الأستاذ فتحي : كلكم؟.
سمير : كلنا.. كنا نريد أن نقول لك إن كان ثمة من إمكانية للعمل مع.. مع الأستاذ فرزت.. فلقد عرفنا أنه وصل بالأمس..
الأستاذ فتحي : (غاضباً) ويريد كومبارساً، ليقفوا في خلفيات مشاهده.. وأنتم مستعدون طالما أنكم ستقتربون من النجوم وتقبضون مالاً عظيماً تتغلبون فيه على قهر الحياة وبؤسها! (يحاول سمير أن يتكلم فيقاطعه الأستاذ فتحي غاضباً) كفى.. لقد تكلمنا في هذه الأمور مرات ومرات... أنتم أحرار.جميعكم أحرار، وهذه الفرقة لا تقدم لكم رواتب شهرية، وأنتم غير ملزمين بالعمل، فمن أراد أن يبقى، فأهلاً وسهلاً، ومن أراد أن يذهب، فالباب كبير..!
هيثم : ولكن يا أستاذ.. لماذا لا نتحاور؟ ، التلفزيون جاء إلينا ونحن لم نذهب إليه وهي فرصة طيبة لكل الذين يعملون في مجال المسرح من ثلاثين سنة ولم يسمع بهم أحد في هذه المدينة.
الأستاذ فتحي : ومن قال لك، إنَّ أحداً لم يسمع بكم. إنَّ الجمهور الذي لم يكن موجوداً من قبل، وبفضل أعمال فرقتنا والفرق الأخرى التي تحترم المسرح، صار ينتظر جديدكم ويقدر فنكم..
سعاد : ولكنك قاسٍ جداً على التلفزيون يا أستاذ، بالرغم من معرفتك بأن معظم الممثلين في التلفزيون كانوا من هواة المسرح ومحترفيه.
الأستاذ فتحي : أنا لست ضد التلفزيون يا سعاد، على العكس، هناك أعمال مهمة جداً ستبقى خالدة في أذهان الناس، وأنا متأكد بأنه سيكون هناك أعمال في المستقبل تضاهيها، ولكن أنا ضد أن يقتحم التلفزيون كل شيء حتى المسرح ويلغيه. أنا ضد هذا التكرار السخيف للحكايات التلفزيونية التي تستلب عقل المشاهد وتهمش وعيه، أنا ضد أن يمارس التلفزيون سلطته المادية على فناني المسرح.
نجـوم بأقـل الأجـور - الدكتور محمد إسماعيل بصل- من منشورات اتحاد الكتاب العرب 1999(بتصرف)
الأسئلة:
أكتب موضوعا إنشائيا محكم التصميم ،تحلل فيه النص وفق خطوات القراءة المنهجية مسترشدا بما يأتي :
ـ تأطير النص داخل حركية النثر العربي. ـ تتبع المتواليات السردية في المسرحية. ـ حدد البعد الفكري الذي تمثله الشخصيات في المسرحية. ـ تتبع عوامل المسرحية تبعا للأدوار التي اضطلعت بها في صنع الحدث،مبينا نظام العلاقات الذي يجمع بينها. ـ استخلص مما توصلت إليه في تحليل النص المغزى الذي يرمي إلي مؤلف المسرحية .
تحليل النص
فن المسرح فن راق تتداخل فيه مجموعة من الفنون الأخرى تبدأ من القصة إلى الشعر والموسيقى والرقص والرسم ،فكان جديرا بلقب أبي الفنون لما لعبه من دور كبير في الجمع بين هذه الفنون المتنافرة بتنسيق محكم ومتسق تمكن المتلقي من معايشتها متلاحمة منسجمة بين ثنايا النص المسرحي.
والنص الذي نقاربه نموذج لهذا الفن العريق ، يجعلنا نلامس وقائع وأطوار الحدث مباشرة بدون وسيط يحول بين المتلقي وشخصيات المسرحية .فمن خلال حوار الشخصيات نتعرف على الحدث الذي يشغلها والمتمثل هنا في رغبة أفراد الفرقة المسرحية التوجه إلى التمثيل التلفزيوني ،وتخوفهم من رد فعل مدير الفرقة ، ويبدأ الصراع مع مفاتحة المدير (الأستاذ فتحي )عندما اقترح عليه (سمير )فكرة الالتحاق بالتلفزيون التي قابلها الأستاذ سمير برفض قاطع مخيرا أعضاء الفرقة بين البقاء في المسرح أو الذهاب إلى التلفزيون ،رافضا مناقشة الموضوع عبر حوار مفتوح اقترحه أعضاء الفرقة ،وتستمر سيرورة الحدث باستدراج الأستاذ فتحي لمناقشة علاقته بالتلفزيون وسبب موقفه العدائي ، فيكشف لهم أن العداء نابع من المبدأ المتعارض بين العمل المسرحي الذي يمثل رسالة نبيلة تترفع عن الغاية المادية، والعمل التلفزيوني الذي يعمل على إلغاء المسرح ويضع نصب عينيه القيمة المادية ولو كان الدور الذي يلعبه الممثل سخيفا مبتذلا ، ويسلب عقل المشاهد،فكانت مبررات الأستاذ فتحي هي الوضعية النهائية للصراع المسرحي وإن كانت النتيجة معروفة منذ أن عارض رغبة أعضاء الفرقة بقوله" تكلمنا في هذه الأمور مرات ومرات(...) ، وأنتم غير ملزمين بالعمل، فمن أراد أن يبقى، فأهلاً وسهلاً، ومن أراد أن يذهب، فالباب كبير..! ".
وكما هو معروف في العمل المسرحي أن الحدث فيه ينبني على الصراع ، وهذا الصراع يجسد ما تمثله الشخصيات من مواقف وأفكار ،ويتبين ذلك من خلال الأستاذ فتحي الذي يربط العمل بقيم ومبادئ نبيلة تجعل المكسب المادي في المرتبة الثانية ، في حين أن أعضاء الفرقة المسرحية يربطون العمل بما يحققه من مكسب مادي وهو ما يبرر استعدادهم التحول إلى التلفزيون والتضحية بالمسرح نظرا لما يحققه ذلك من مكسب مادي وشهرة واسعة .وبقي الصراع مفتوحا أمام تعارض الموقفين في رؤيتهما للعمل المسرحي والغاية منه .صراع يلخص التجاذب بين القيم الروحية والقيم المادية ،يمكن إدراجه ضمن أخلاقيات العمل بصفة عامة. وبتتبع تطورات الصراع بين شخصيات المسرحية نتوقف عند وضعياتها ودورها في تفعيل الحدث ،فالأستاذ فتحي وأعضاء الفرقة يمثلان عامل الذات ولكنهما يختلفان في المرغوب فيه، ويظهر ذلك من خلال عامل الموضوع المتمثل في التشبث بالعمل في المسرح عند الأستاذ فتحي ، والرغبة في التحول إلى التلفزيون بالنسبة لباقي أعضاء الفرقة (كلنا.. كنا نريد أن نقول لك إن كان ثمة من إمكانية للعمل مع.. مع الأستاذ فرزت) وهو ما أفرز عاملا مرسلا يختلف بين الأستاذ فتحي الذي يتعلق بالعمل المسرحي ،وأعضاء الفرقة الذين يتطلعون للمال والشهرة، أما العامل المساعد عند الفرقة فهو التوجه نحو العمل في التلفزيون ،وبالتالي فإن العامل المرسل إليه عند الأستاذ فتحي فهو ما يمثله العمل من قيم أخلاقية أولا ،بينما العامل المرسل إليه عند أعضاء الفرقة هو ما يحققه العمل في التلفزيون من مكسب مالي وشهرة واسعة ،وإذا كان المسرح عاملا مساعدا للأستاذ فتحي فقد كان معاكسا للأعضاء الفرقة التي ترى في التلفزيون عاملا مساعدا ،بينما يعتبر عند الأستاذ فتحي عاملا معاكسا .فالتعارض بين هذي العوامل يعكس حدة الصراع الفكري الذي يتجاذب شخصيات المسرحية نتيجة تباين العلاقة التي تربطهم بالمسرح والتلفزيون ،فهي علاقة تواصل بين الأستاذ فتحي والمسرح ،وعلاقة رغبة بين أعضاء الفرقة والتلفزيون ،فأفرز ذلك علاقة صراع بين أعضاء الفرقة والأستاذ فتحي. فالحوار جعل الشخصيات مهيأة للصراع الذي شد إليه المتلقي الذي خرج بقناعة فكرية ساهمت في تركيبها كل عناصر النص المسرحي من لغة وشخصيات وفضاء ،فكان نجاح المسرحية بفضل هذا الاتساق بين هذه العناصر ،فتحقق الانسجام بين النص والمتلقي