خراب رهيب كان بالامس
القريب، يوم كان النهر يحترم الفصول و يروي الحقول، أراض حية لا يفرط المرء في شبر واحد منها.
خراب إتخذها الناس مساكن، طين على أحجار صماء، ترافقهم العيش فيها الزواحف و الفئران. القنفذ يفضل إتخاذها مرتعا ليليا لتأمل جمال القمر.
في إحدى هذه المنازل البسيطة، يعيش زوجان مسننان بدون ذرية. لا يكاد ُيسمع لهما صوت و كأنهما سر. سر غريب.
يقولون أن الزوج قطع مدن الشمال مدينة مدينة، وصل أوربا أيضا بحثا عن ثراء لا يوجد إلا في الاحلام. إسمه بوشعيب. بوشعيب قضى مدة في مدينة الجديدة.
الزوجة العجوز لا يعرفون عنها شيئا. الاكيد انها ليست من منطقتهم. من جبل مجاور، ربما.
منذ عودة بوشعيب من مدن شمال المغرب إلى قريته، لم يغادرها قط. لم يعد الشمال يستهويه. إن تحرك من مكانه فمن إجل حضور موسم من المواسم كموسم سيدي أحمد أو موسى. يتحرك أيضا كل أربعاء في آتجاه السوق الاسبوعي ممتطيا الحمار.
حمار خجول جدا من فرط حسن المعاملة التي يتلقاها. لم يتلق يوما ضربة من سيده. دلال كامل.
كان بوشعيب رجلا عالما يملك مخطوطات نادرة، متعلق قلبه بالمسجد لدرجة أن الناس يقولون أنه من الذين سيدخلون الجنة. هو المكلف بتسيير المسجد، و كذلك كان "أنفلوس" المنطقة: يعود الناس إليه في نزاعاتهم، يكتب رسائلهم.
لكنه يبقى سرا. سر غريب.
يقولون أنه أمضى شبابا فوضاويا لا يحب الحديث عنه، و أنه كان في السجن.
كل هذا الكلام لا يهمه.
له متجر في الجديدة، و قد كلف أحدا بالتكفل به. تصل بوشعيب في كل مرة وصل فيه من المال ما يكفي ليعيش يراحة هو وزوجته. القط يعيش حياة الملوك في هذه الاسرة: اللحم عدة مرات في كل شهر.
يتمتع العجوز بالطجين البلدي الذي تتقنه زوجته، و أكواب الشاي التي لا تكاد تعد. و أثناء جلسات الشاي الليلية، يتأمل العجوزان الحياة و السماء المقمرة. بوشعيب يدخن لفافات السجائر التي يعدها بيديه.
في الحظيرة المجاورة، البقرة لا تصدر صوتا. إنها نائمة تقول العجوزة. تحبها حبا كبيرا لانها تكرمهم بالحليب و الجبن.
يحترم الناس هذه الاسرة المكونة من الزوجين و بعض الحيوانات. يحترمونهم لكنهم لا يجرؤون الاستفسار عن سبب عدم الانجاب. قد يقبل المجتمع أمرآة عاقرا. لكن، ان يكون الرجل هو العاقر، هذا ما لا يمكن تقبله.
لا يفكر العجوز في الموضوع. هو يعتقد أن الحياة الحقيقية هناك. الجنة. يتساءل: هل بإمكانه الانجاب في الجنة؟
ثم يعود بالتفكير إلى الاسر التي تنجب. ماذا أعطت؟ لا شيء. شباب و كبار يغادرون الارض نحو الشمال. لماذا الانجاب إن كان يعطي فاشلين.
بعد حوار هادئ مع الزوجة، يرتشف العجوز الشاي الذي يعشقه حد الجنون.
يتمدد الزوجان جنبا إلى جنب، في نوم هادئ تحت ضوء القمر.
الجزء الثاني
يدأت مظاهر العصرنة تضرب القرية. أخذ الناس يبنون منازل حديثة، و آستغنوا عن الرحى التقليدية، بدأوا يشترون السيارات... لكن العجوز و زوجته بقيا كما كانا.
" أنا حارس التقاليد" هذه هي إجابة العجوز لكل من سخر منه وهو يمتطي حماره نحو السوق.
للاسف الشديد، تحمل العصرنة مبادئ أيضا. بدأ الشباب يبتعدون عن الارض، يبحثون عن الكنز في الشمال، و يأتون و أولادهم لا يتكلمون حرفا واحدا من لغتهم الاصلية: فلا هم هناك و لاهم هنا. الانجاب يكون في بعض الاحيان خراب. هكذا يطمئن العجوز العاقر نفسه.
يسأل العجوز بوشعيب زوجته: لماذا لا تريدين أن نذهب بالطحين إلى المطحنة؟ إنك تتعبين.
تجيبه: العمل يجعل مني إمرأة تقاوم الزمن. أنظر إلى نساء الحضارة. كل شيء متوفر لهم: آلات كهربائية... لا يقمن بشيء، لا يتحركن. و النتيجة:
نساء سمينات دائمات المرض و التعب.
في أحد الايام، ينادي العجوز زوجته: أريد أن أخبرك بشيء مهم. أنت سعيدة معي أليس كذلك؟
- نعم... لكن دون أطفال.
- لا يهم. حتى الملوك الكبار حرموا من الانجاب. إنه ليس عيبا. سيدنا موسى لم يكن له ولد. سيدنا عيسى أيضا. سيدنا محمد فقد الولد الوحيد الذي لديه. أنظري أيضا إلى الملك ألكسنر، لم يترك وريثا فتنافس الجنود على حكمه. هذه سنة الحياة، و أنا مؤمن بالقدر.
- قلت أنك تريدني في شيء مهم.
- آه، نعم. كل ما أتمناه، هو أن تكوني أنت حور عيني في الجنة. لا أريد عجوزا أخرى غيرك. أحبك كثيرا عجوزتي.
تبتسم العجوز وتنصرف إلى عملها.
الجزء الثالث
في إحدى الليالي، لم ينم القط معهم في البيت. ظنوه مريضا. لكن الامر ليس كذلك. أحس العجوزان بهزة أرضية في منتصف الليل.
إنها أكادير. زلزال كبير مسح المدينة من الخارطة.
في اليوم الموالي، بدأ الحديث في المسجد عن الكارثة. أخذ الناس يداومون على صلاتهم من شدة الهلع، و يزورون المقابر.
بعض الناس يعتقدون أن السبب هو ياجوج و ماجوج. البعض الاخر، ربط بين الزلزال و العقاب الالهي. أكادير، كما يقول البعض، أصبحت مأوى للباحثين عن اللذة. الجنس في كل مكان.
الشباب يبيعون جسدهم للاجانب من أجل الربح السريع. يتعاطون المخدرات و يشربون الخبر. إنهم يستحقون العقاب.
العجوز بوشعيب غير مقتنع بفكرتهم. لكنه لا يريد الدخول في سجال لانه لن يجدي إلى شيء.
إختار بوشعيب أن يتحدث إلى زوجته. فهي الوحيدة التي تفهمه.
قام بوشعيب بشرح نظرية الزلزال بآعتباره ظاهرة علمية خاضعة لالتقاء الصفيحة المحيطية بالصفيحة القارية....
لم تنف الزوجة كلام العجوز.
- نعم، و لكن الله هو الذي يأمر هذه الصفائح بالتحرك.
يضحك العجوز و يستسلم لرشفة من الشاي و سيجارة.
الجزء الرابع
القرية بدأت تتغير، و المواصلات و تقنيات التواصر أصبحت حديثة.
الخاسر الاكبر في هذه "العصرنة" هم الشباب الذين يريدون تقليد الغرب في كل شيء. العجوزان لازالا متشبتين بالارض و التقاليد.
في إحدى الايام، جاءه موجه سياحي يكتري منه الحمار. جاء بعض الامريكان إلى المنطقة و أرادوا أن يمتطوا الحمار. و هنا تأكيد لنظرية العجوز
أن العصرنة تخلق المتاعب. لهذا جاء هؤلاء ليبحثوا عن الراحة، و يمتطوا الحمير بعد أن تركوا سياراتهم الفارهة.
العجوز يكتب الشعر. القارئ الاول و الوحيد له هو إمام المسجد. مشكل الثقافة الامازيغية أنها ثقافة شفوية. وبالتالي يموت التراث مع موت
الشخص. لكن العجوز يفكر بعيدا. فهو يكتب الشعر، و سيستعمل المذياع لنشر شعره عبر الاغاني الشعبية. و هنا توضيف جيد للعصرنة في خدمة
التقاليد. " أنا حافظ التقاليد" يردد دائما.
في يوم مشمش، رأى العجوز أناسا في فوضى متجهين إلى إحد المشاتل. إنها النار آشتعلت فيه و لم تتركه. بعد يومين، وجد الناس قنينات خمر و
بقايا سجائر في عين المكان. إن الحريق كان سببه إهمال بعض " المفسدين الشباب" الذين يهربون من المدينة ليختبؤوا في مشاتل الاخرين و
يتعاطون المحرمات. القضية أرقت العجوز. هذا الاخير يقرأ في الكارثة عدم آكتراث الشباب لاهمية الارض. الشاب مستعد لان يبيع الارض التي مات
من أجلها أناس كثيرون.
في صباح يوم جميل، دق على العجوز رجل عزيز. كانت المفاجأة كبيرة. إنه صديق قديم عندما كان في فرنسا. 30 سنة من البعد. إسمه رضوان.
جاء يخبره أن آسمه أصبح مشهورا حتى في باريس، و أن شعره أصبح يتغنى به الناس في راديو أمازيغي.
يضيف رضوان أن فرنسا لم تعد أحسن حالا من الماضي. أصبح الشباب أكثر عطالة، و نفورا إلى المخدرات و الخمور...إنها حضارة تافهة، يرد
العجوز، حضارة تصبغ نفسها بالجميل، لكن العمق مسوس